المهندس نادر حسان صفا
اكتسب مفهوم الدولة المدنية اهتمام السياسيين و عامة اللبنانيين على حد سواء في العقود الاخيرة و يسود اليوم هرج و مرج بين مؤيد و معارض للدولة المدنية و العلمانية و ما يتفرغ عنها , فلبنان بصورته الحقيقية نشأ على مفهوم الدولة المدنية و التي تقوم على مبدأ ان الدولة هي التي تحكم نفسها بنفسها و تستمد فيها السلطة من الشعب و التي لا تعتر بالانتماءات الدينية والايديولوجيات المتعددة و المختلفة مما يسمح لها ان تدير شؤون الدولة وفقا" للدستور اللبناني. فالشعب هو مصدر السلطات و التي تتكون من ثلاث سلطات : تنفيذية و تشريعية و قضائية.
ان الدولة المدنية تحافظ على كل اعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية او الدينية وتقوم على عدة مبادئ اهمها المساواة في الحقوق و الواجبات و مبدأ المواطنة الذي يعني ان الفرد لا يعرف بمهنته او سلطته انما يعرف تعريفاً قانونياً اجتماعياً بصفة "مواطن" .لا تتأسس الدولة المدنية بمبدأ خلط الدين بالسياسة كما انها لا تعادي الدين او ترفضه طالما ان الدين يبقى في الدولة المدنية عاملاً اساسياً في بناء الاخلاق والقيم, بل هي ترفض استخدام الدين لتحقيق مكاسب و اهداف سياسية. وتعتمد الدولة المدنية ايضاً مبدأ الديمقراطية االذي يقوم على منع أخذ الدولة غصباً من خلال فرد او نزعة ايديولوجية و انما عبر تفويض شعبي بانتخابات حرة و نزيهة و انتخابات على مبدأ النسبية و ان لبنان هو دائرة واحدة لا تتجزأ, و هذا ما طالب فيه دولة الرئيس نبيه بري لفترات طويلة من اجل حماية الحريات بالتعبير عن الرأي على مساحة الوطن ككل.
ان مفاهيم ومبادئ الدولة العلمانية تشبه الى حد كبير مفاهيم و مبادئ الدولة المدنية فهي تقوم على "فصل الدين عن الدولة" ,فهي تعترف طبعاً بالدين و لكن لا تسمح بالاعتماد عليه في تشريعاتها و قوانينها,فهي حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية و شؤون المواطن و حقوقه و العمل على تأمين كافة متطلباته واعلاء شأن الانسان في وطنه. للعلمانية مفهومان قانوني و سوسيولوجي فهي تقوم على فصل الدين عن السياق الاجتماعي المرتبط بالدولة و الاعتراف قانونياً بتكريس خيار الدولة مختل الديانات صوناً لحريات المواطن.
مر لبنان بعدة حقبات صعبة و قاسية عرقلت طريقه نحو التقدم و التطور فبدلاً من اعتماد مبدأ الوطنية واعتبار اللبنانيين عائلة واحدة يتوزع افرادها على مساحة الوطن ,عاش اللبنانيون على النعرات الطائفية و المذهبية و قسم البلد الى دولاً متناحرة و هذا ما جعل من لبنان ساحة نزاعاً تحارب كل طائفة الاخرى باسم الدين و المذهب.هذا ما يجعلنا اليوم نؤمن بان خلاص لبنان هو بتوحيد اللبنانيين تحت سقف واحد و هو الوطنية و الهوية اللبنانية فكل ما مر به لبنان سببه ارتباط الدين المباشر بالسياسة, فمن حيث المبدأ الدين ليس بعائق و لكن من حيث التطبيق فهو العائق الاول . خلاص لبنان اليوم يكون ببناء ثقافة موحدة في كل المناطق اللبنانية على مختل مذاهبهم و احترام كل المعتقدات و لكن فصلها عن السياسة و اعتبارها مبدأ اساسي وطني ينص على العيش المشترك و اعتماد الدين وسيلة اخلاقية اساسية تقوم على توحيد اللبنانيين جميعاً وابعادها عن الدور السياسي و ادارة شؤون الدولة.

