المهندس نادر حسان صفا
لم يسلم لبنان يوما من المؤامرات الداخلية و الخارجية ، فقد شهد منذ نشأته العديد من الصراعات الداخلية والدولية . ولطالما شكلت هذه الصراعات عائقاً امام تقدمه في شتى النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و المالية .
فمن جهة وبسبب موقعه الجغرافي ،عانى لبنان من حروب عسكرية مع العدو الصهيوني قضت على الكثير من احلام شعبه الطامح وجعلت منه وطناً منكوباً.ومن جهة ثانية لم يسلم هذا البلد بمساحته الصغيرة من الحروب الاقتصادية الخارجية التي وضعته في ضيق اقتصادي و مالي شديدين. لكن السبب الرئيسي والأهم لكل ما يجري فيه اليوم هو النظام الطائفي و المذهبي الذي لا يعرف طريقاً للخلاص. فبين شعب جائع و اقتصاد معدوم ، لا يزال هذا النظام يمارس كيدياته السياسية على ساحته.
يعول الجميع اليوم على تشكيل حكومة انقاذية لانقاذ ما بقي من الوطن ،و لكن هذه الحكومة وان شكلت لن تكون اكثر من ابر تخدير جديدة لتخفيف الضغوطات وتهدئة النفوس. ان ما يحتاجه لبنان اليوم اهم من تشكيل حكومة من اي نوع . فهوالآن بحاجة في المقام الاول لوضع خطة تتضمن رؤية مستقبلية واضحة المعالم تأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام . ويجب ايضا ان يتم العمل على تنفيذها بأسرع وقت ممكن لتحقيق غايات مستقبلية ايجابية على صعيد الوطن بدءاً من اعادة هيكليته المذهبية و القضاء على الكيديات السياسية التي رافقت البلد منذ عقود . ويمكن القيام بذلك عبر تعديل واضح و حازم للنظام السائد و فرض ثقافة وطنية موحدة على كافة مناطقه، فعلى سبيل المثال لم تصل اليابان الى ما وصلت اليه الا بعدما وضعت الثقافة الوطنية الموحدة ضمن اولوياتها .
في لبنان الجميع يحب وطنه، و لكن كل على طريقته الخاصة و بايديولوجيات مختلفة. فالجميع يرى بانه على حق و هنا تكمن المشكلة الحقيقية اذ لا يمكن ان يبنى وطن من دون تقديم التنازلات و توحيد الاراء و القرارات و التخلي عن الخضوع للخارج. حربنا اليوم اشد و اصعب من الحروب التي تخاض بالمواجهة العسكرية. حربنا اليوم هي حرب فكرية عقائدية ثقافية بصورة ووجه مالي اقتصادي. و ليعود لبنان لوجهه الحضاري الحقيقي، يجب بناء جيل جديد ينشأ على حب وطنه و التمسك بمستقبله، جيل وان كان منتمياً لمذهب ما فهو لايدع للطائفية في قلبه مكان . ولطالما نادى دولة الرئيس نبيه بري بالقضاء على هذا النظام الطائفي سائراً على نهج الامام الصدر ومتمسكاً بقوله " ان الطوائف نعمة و الطائفية نقمة".
ان تأليف الحكومة اليوم ليس بالامر السهل و ان شكلت هذه الحكومة ستواجه الكثير من العراقيل ليس لجهة الشخص المكلف بل بالخطة التي يجب تنفيذها ، خطة تقتضي وجود جيل شاب يواكب التقدم و التطور واعطائه فرصة لاعادة احياء المنظومة السياسية بدم جديد و فكر متقدم و حضاري .
ان الايام القادمة تحمل في طياتها العديد من السيناريوهات على الساحة الدولية التي ستأثر حتماً على الوضع الحالي في المنطقة ككل و سيناريوهات داخلية مرتقبة معول عليها من قبل الشعب اللبناني الذي يأمل ان تأتي بالحل للخروج من هذا الوضع المزري الذي يعيشه. تبنى الاوطان بوحدة شعبها و لا يمكن ان تبنى بغير ذلك...