المهندس نادر حسان صفا
فقدت الجمهورية الاسلامية في ايران اهم قاماتها العلمية بعد قيام الموساد الاسرائيلي باغتيال العالم النووي محمد فخري زاده ، وقد كان لهذا الاغتيال وضعاً خاصاً لدى الكيان الاسرائيلي حيث استطاع توجيه ضربة قاسية تهدف لعرقلة مساعي الايرانيين لامتلاك السلاح النووي ، فعملية الاغتيال هذه لا تقل شأناً عن عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني داخل الاراضي العراقية بعد جولته الاقليمية من لبنان الى سوريا وصولا للعراق ،و لكن لعملية اغتيال العالم محمد زاده بعدا استراتيجيا اوسع حيث تم اغتياله داخل الاراضي الايرانية مما يعني التعرض للسيادة الايرانية و الامن الايراني من جهة و التعرض للقضية الاهم لدى الجمهورية الايرانية اي الملف النووي من جهة اخرى.
ان هكذا اغتيالات تشكل صفعة قوية من دولة معادية لايران لا يمكن السكوت عنها و يجب ان يكون هناك رداً قاسيا .
لم تكن هذه العملية الاولى من نوعها للكيان الاسرائيلي و حلفائه الهادفة لتصفية علماء ايرانيين،لكن حجم و شأن الجمهورية الايرانية اليوم يختلفان عما كانا عليه في السابق و لا يمكن ان يمر هذا الاغتيال مرور الكرام نظراً لاهمية وقوة الدولة الايرانية على المستويين الاقليمي و الدولي ،كما ان السكوت عن مثل هكذا ضربة يعني الاعتراف بالضعف والهزيمة وعدم القدرة على المواجهة . لذلك يجد الايرانيون انفسهم مجبرين على الرد و ان يكون ردهم
ذات اوجه متعددة و في اكثر من مكان و زمان.
اعلن اليوم الكيان الاسرائيلي رفع اعلى درجات الجهوزية و الحيطة و دخل الجيش في حالات الاستنفار والتأهب والحذر خاصة على الحدود اللبنانية التي يعتقد الكيان الاسرائيلي بان الرد سيكون عبرها مما جعله يحرك كل اجهزة المراقبة و التنصت على حدود لبنان-فلسطين المحتلة ناهيك عن قيام طيرانه الحربي بخروقات امنية من خلال الغارات الوهمية اليومية في الاجواء اللبنانية انطلاقا من الجنوب وصولا الى العاصمة بيروت، غير آبه بالقوانين
الدولية .
ان الوضع الحالي المستجد اليوم على الساحة الدولية بعد هذا الاغتيال لا يشبه اي وضع سابق حتى ان درجة الجهوزية و الترقب للرد عليه هي اعلى بكثير من التي شهدناها بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني رغم مكانة و اهمية الجنرال عند الجمورية الايرانية خاصة و عند الشعب الايراني عامة.وقد اصبح الموضوع اليوم مرتبطاً مباشرةً بهيبة الدولة ومكانتها. فبعد اغتيال اكثر من عشر علماء ايرانيين سابقين، اغتيل اليوم العالم الاهم عند الايرانيين و قد تمت العملية بعد تخطيط محكم و دراسة دقيقة بمشاركة اجهزة امنية متعددة .ان لهذا التجرأ حسابات وطابع حساس عند الايرانيين بعد الوعود و التهديدات التي قامت بها ايران سابقاً بانها سترد بقوة على اي تعرض لها مما قد يشعل المنطقة و يزيل اسرائيل عن الوجود.
على اثر هذا الاغتيال قامت الدول الكبرى و على راسها روسيا و الصين اثر هذه الجريمة بالتدخل الفوري لتهدئة الاجواء تخوفاً من رد ايراني قاسي و قوي قد يهدد المنطقة كلها و لكن يبدو جلياً ان هناك تصميماً داخل الجمهورية على الرد و على اعلى المستويات . لقد انقسمت الاراء داخل الجمهورية الايرانية بين فريقين، الاول مؤيد للرئيس الايراني روحاني و وزير الخارجية اللذين يحاولان ضبط الاجواء و التهدئة معتبرين ان الوقت غير مناسب ولا يسمح بمثل هكذا رد و فريق آخر مؤيد لصاحب القرار الحاسم و الذي يتبع المرشد الاعلى للثورة الاسلامية السيد علي الخامنئي و الحرس الثوري الايراني.
ان المحاولات التي تقوم بها روسيا و الصين لاقناع الجمهورية الايرانية برد مقبول و بسقف محدود واعطائها وعوداً بتنازلات في سوريا و العراق و لبنان و اليمن والتي تصب في مصلحتها، الى جانب الوعود بتسهيل رحلة التفاوض على الملف النووي لم تلق رداً ايجابياً من الجانب الايراني. ان القرار قد حسم و الرد قادم و بدرجة عالية مما سيغير حتماً المعادلات الاقليمية و الدولية و لن يبقى الوضع كما هو عليه الآن.

